التشكيلية صبا البنا تنثر أحلامها بين بغداد واربيل وبيروت

خويادا/وكالات:

 فادي كمال يوسف

التشكيلية صبا البنا، فنانة من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الأشوري، تنقلت في رحلة طويلة بين بغداد واربيل وأخيرا استقرت في بيروت في انتظار انتقال آخر نحو بلاد الاغتراب، رافقتها رحلة أخرى من الإبداع الفني انطلقت منذ نعومة اضفارها، مستوقفة في محطات نجاحات نحو مستقبل تطلق العنان لفرشاتها كي ترسم معالمه بلوحة تكعيبية من الفن الحديث تترك للزمن فك رموزها وشفراتها

لم تشأ صبا تطوير موهبتها بلا نفحة أكاديمية فأكملت دراستها في معهد الفنون الجميلة قسم الرسم، ولم تكتف بهذا القدر بل واصلت تحصيلها العلمي في أكاديمية الفنون الجميلة لتنال شهادة البكالوريوس في الفن التشكيلي، كانت سنوات دراستها مرحلة مهمة من تطوير قدراتها الفنية فتتلمذت على يد ابرز الفنانين العراقيين، وهي تؤمن ان مزاوجة الموهبة بالدراسة سينجب مولودا يجسد ما تطمح إليه من رغبة جامحة  نحو الارتقاء بمهاراتها وتقنياتها الفنية

صبا البنا التي التقيناها في مدينة الفن والإبداع بيروت، ورغم وضوح وشفافية شخصيتها، إلا أن لوحاتها تخفي قصص واحجيات تختزل حكاية وطن جريح، شخوصها وأبطالها رموز من واقعنا يلامسون خيالات الحلم الضائع، فيما كان الأمل بغد مشرق توقيعها الذي يذيل أعمالها، وبين الواقعية التكعيبية لفائق حسن والانطباعية لفان كوخ، تلاعب ريشتها وألوانها بحثا عن مدرسة تخط بها إبداعها لتقدم فنها الممزوج بمسيحيتها المشرقية

وفي حديث لـ” خويادا كوم” تجد البنا أن “الفنان يجب أن يخلق الأمل لدى المتلقي وهو الذي يمنح بصيص النور في نهاية النفق المظلم”، هذا ما جسدته في كثير من اللوحات التي كانت تنفذها في فترة صعبة عاشها الوطن وعاشتها هي كذلك في بغداد ما بعد 2003، في أحدى “لوحاتي” والكلام للبنا “رأيت العراق كامرأة ورجل يجمعهما قارب واحد في بحر هائج تضربهم أمواج متلاطمة، وفي وسط اللوحة وضعت الشمس رمزاً للأمل بإشراقه يوم جديد رغم كل هذه الفوضى التي تحيط بهما”

تركها للعاصمة بغداد وتوجهها نحو أربيل لم يثن عزيمتها نحو التواصل كما لم يقتل بصيص الأمل في داخلها، البنا تشير الى أن “الانتقال الى أربيل كان حكما قاسيا من الواقع المؤلم نتيجة للوضع الأمني السيئ في بغداد والذي يكبل الفنان ويحيد الكثير من إبداعه”، مبينة انه “ليس من السهل على الفنان ترك مسقط رأسه، بما يحمله من إرهاصات، تدفعه بالعادة نحو تنفيذ العديد من أفكاره، كان انتقالي الى أربيل إضافة مهمة  لهارموني اللون في لوحاتي، فكانت لوحاتي البغدادية متأثرة بألوان البادية والصحراء والألوان الترابية وهذا ما كنت اسمعه دوما من الفنانين في أربيل، ولكن بعد مكوثي فترة بالمدينة أخذت الواني تمزج بين تلك الألوان الترابية وألوان الحقول الخضراء وانبلاج الأفق الأزرق، وظهر كذلك تأثير الجبال وجمال الطبيعة، وهذا ما بدا واضحا في لوحاتي الأخيرة”

البنا تزيد أن “هناك اختلاف كذلك بالنمط الفني بين فناني بغداد واربيل لا يقتصر على الألوان فقط فرسامي العاصمة يحبذون نمط الحداثة في الرسم، بينما يميل الكثير من فناني كردستان الى النمط الواقعي وتجسيد الطبيعة وجمالها”، مبينة أن “وجود الفنانين البغداديين في أربيل كان له تأثير واضح على النمط الفني لكثير من الفنانين في كردستان، كما خلق حوار فنيا بين مدرستين مختلفتين استفادت أحداهما من الأخرى، ما دفع الحركة الفنية بالعموم الى مزيد من التقدم، بالمحصلة وجود فناني العاصمة أغنى الحركة التشكيلية، كما خلق متلقي يتذوق العديد من الأنماط الفنية بعد ان كان الى حد بعيد ضمن إطار واحد”

لم تتخذ صبا البنا لها مدرسة فنية محددة، لتنسج به إبداعها بل تنوعت أساليبها الفنية، كما تعددت في الوقت ذاته أدواتها، فأوضحت إن “الفنان يجب ان يطور باستمرار أساليبه الفنية بالنسبة لي تنقلت بين المدارس الفنية فلي أعمال واقعية وبورتريهات، ولكن الأقرب إلي كانت السريالية والتكعيبية، أما بالنسبة لأدواتي فاستعملت القماش باستخدام الألوان الزيتية والذي كان اختصاصي الدراسي واستخدمت كذلك خامات أخرى، تعاملت مع الزجاج ولدي الكثير من الأعمال الزجاجية واستعملت الأصباغ الزيتية في تلوينها، كذلك كان لي تجربة مع الموزائيك في تنفيذ العديد من الأعمال، واستخدمت السيراميك في بعض اللوحات، وصممت العديد من الأعمال والنصب من مواد مختلفة”

وأشارت البنا الى أن “الدراسة الأكاديمية مهمة جدا لتطوير الفنان واغناء تجربته”, مبينة إنها اتجهت نحو إكمال دراستها لصقل موهبتها،  وتعتبر أن “استخدام اللون والخط والتلاعب بالكتلة كل تلك المكونات لها أسس للتعامل معها، هناك فنانين غير أكاديميين نرى في كثير من الأحيان معناتهم مع مزج اللون والتلاعب بمكونات اللوحة، وإضافة الى التعلم الأكاديمي شاركت في العديد من الدورات الفنية، وكذلك الدورات الفوتوغرافية، والتي اجتزتها بنجاح للوصول لمراحل التعامل الصحيح مع مكونات اللوحة لإظهارها بتفصيلاتها المرجوة”

تعتبر البنا أن البيئة هي التي تؤثر على طبيعة لوحاتها، فكما أسلفت أن “التغيرات التي أحدثها انتقالي من بغداد الى أربيل، كذلك انتقالي الأخير الى بيروت اثر كثيرا في لوحاتي، فخليط بين البنايات التي تحاصرنا من كل ناحية وحجبها للشمس في كثير من الأحيان، والبحر والجبل طبيعة تكوين المدينة الذي يختلف عن مدننا، كل ذلك بدأ يتسرب الى لوحاتي الأخيرة فيعطيها تنوعا خاصة، كل حالة يعيشها الفرد سلبية كانت أم ايجابية ستعطي تنوعا جديدا لا عماله الفنية وهذا ما ابحث عنه في كل بيئة انتقل إليها”

من جهة أخرى ترى البنا أن “ما يؤثر على الفنان أيضا الأحداث التي تهز الوطن، فتهجير أبناء شعبنا من سهل نينوى واحتلال داعش لأراضينا كان له وقع جم على نفسي، فحاولت ان انقله الى لوحاتي، ونفذت عدد من الأعمال تعالج الحدث من جوانب عدة، ولا أخفيكم سرا ان لي عمل مازال قيد التنفيذ يظهر بشاعة داعش في تحطيمه للآثار في نينوى، يحمل الكثير من الرموز والمعالجات بأسلوب حديث، أتمنى ان يجسد حجم المأساة”

وعن معارضها الفنية، فان البنا تجولت حاملة لوحاتها فلذات أكبادها في الكثير من العروض الفنية، فكانت دوما محل الإعجاب والانبهار من متذوقي الفن التشكيلي، وبهذا الشأن تحدثنا قائلة إن “مشاركتي في المعارض الفنية كان منذ بدياتي الأولى، فأول معرض اشتركت فيه كان في معهد الفنون الجميلة وقدمت فيه لوحات زيتية ولوحات جداريه على السيراميك ورسم على الزجاج “الفرسكو”، وكذلك اشتركت بعدة معارض في كلية الفنون الجميلة، عام 2003شاركت بمعرضين الاول بتنظيم المؤتمر الكلداني العام والثاني بتنظيم اتحاد الطلبة والشبيبة الكلدوأشوري، أما معرضي الشخصي الاول فأقمته في أربيل عام 2007 على قاعة جمعية الثقافة الكلدانية وتضمن كذلك لوحات زيتية ورسم على الزجاج وعرضت فيه  30لوحة لمواضيع متنوعة، المعرض الشخصي الثاني أيضا كان عام 2007 وبدعم من جمعية الثقافة الكلدانية، المعرض الثالث كان بعنوان “أطياف” أقمته عام 2008 على جمعية الثقافة الكلدانية قدمت خلاله 24 لوحة متنوعة المواضيع، كما شاركت في كثير من المعارض الأخرى المشتركة التابعة للبيت الثقافي ومديرية الثقافة السريانية ووزارة الثقافة في إقليم كردستان، معرضي الرابع والأخير أقمته في أربيل “بارك شاندر” عام 2011 وحمل عنوان رؤى الحياة، آخر مشاركاتي فكانت في بيروت ضمن أمسية فنية جمعت عدد من الفنانين نظمته أخوية الراعي الصالح أواخر عام 2015″.

أما عن رؤيتها للمستقبل وطموحاتها وأحلامها أضافت البنا أن “الفنان مستمر في التعلم طيلة حياته لتطوير فنه لمستويات عالية، كما أنا لدي الأمل بالانتشار اكثر عربيا وعالميا، كما ان وصولنا الى بلاد الاغتراب سيمنحني فضائات أخرى من خلال بيئة وأجواء جديدة ستضيف كذلك للوحاتي”
بأسلوبها الفني المميز والذي يخلط الواقعية الرمزية مع بعض الملامح السوريالية هكذا يعرف عنها احد الفنانين العراقيين، نجدها نحن مبدعة “كلدانية سريانية آشورية”، تنثر أحلامها بألوانها التي استقتها من أطياف بغداد واربيل وبيروت