“الشسمة” …
فرانكشتاين في بغداد، رواية للكاتب العراقي احمد سعداوي، حازت على المرتبة الأولى في جائزة البوكر العربية علم 2014، بطلها كائن خرافي خلقه المؤلف وأطلق علية اسم “الشسمة”، قد يكون استنساخ لفرانكشتاين شكليا، ولكن اختلافه كان تميزه عراقيا روحيا وعاطفيا.
“الشسمة”يصوره الكاتب حاملا الم وجروح شعبه، في زمن غريب كغرابة هذا الكائن، فالمساكين الذين عانوا من الم حرب ألثمان سنوات، وبعدها أعوام الحصار العجاف، لم يتخيلوا ان تكون مأساتهم في زمن ما بعد سقوط الطاغية، بهذا الشكل المرعب والدامي.
سعداوي، استطاع بروايته ان يلمس هذا الجرح، فيجسده كائن لا بشري، يذهب ويأتي، يتكلم ويتألم، يبحث عن العدالة في زمن الفوضى.
“الشسمة”، الذي جمعت أجزائه من ضحايا التفجيرات الإرهابية التي ضربت بغداد الحزينة، ينتفض، بعد ان لبسته روح لضحية أخرى فقدت جسدها في إحدى مجازر العاصمة اليومية، يقرر بذاته ان يحقق العدالة، ولكن على طريقته وتصوره، فتدب الحياة من جديد في تلك الروح الضائعة وذلك الجسد المتلاشي، الذي تجمعهما خيوط اللامنطقية، ليبدأ “الشسمة” خطته الجدية لتحقيق ما يصبوا له.
ان حالة اليأس التي يعاني منها المجتمع في توافر أي بادرة أمل لإيقاف نزيف الدم العشوائي والغير مبرر والمستمر يوميا، أضف إلى ذلك الكم الهائل من خليط مشاكل الفشل المتراكمة، وحالة الإحباط التي تحولت إلى زي موحد ارتداه الجميع، تجعل المجتمع يتشبث بأي وهم يخرجه من النفق الطويل حالك الظلام، ويحقق لهم العدالة المرجوة.
فلا نستغرب ان كان العراقيين يمنون النفس بان تكون الرواية حقيقية، يستيقظون صباحا، ويجدون أنفسهم في زمن “الشسمة”، فيسكب ماءا باردا على صدور الثكالى نساءا ورجالا، ويحقق الحلم بالانتقام من مجرمي العصر، دون انتظار مرافعات ومحاكمات وقضاء، فحجم المأساة تفوق نظريات العدالة المؤجلة أو الملغية من صفحات أدبيات “الشسمة”.
تنبه وإشارة وتحذير، بأننا بتنا اقرب من كل وقت إلى هذا الزمن، والذي نعيش صراعه في أعماق أعماقنا، فنحن نبحث عنه وننتظره، ولكن في الوقت ذاته لن نرحب به.
فنحن نخشى ان ينقلب هذا الثائر على الفاسدين والمجرمين والمنتفعين والقتلة الإرهابيين، إلى صنم أخر، فيبدأ بخط قانونه ودستوره المرعب، القائم على القتل والانتقام، وحب الذات والأنانية، والسلطة المطلقة، وحب المال وعبادة الفرد، ونعود إلى زمن ولى، فنفرح ونهلل بانتصارات “الشسمة” في ثورته المجيدة، فثقتنا بالمجهول قد تحمل قصصا مرعبة، رغم ان المجهول قد يكون اكثر رحمة من هذه اللحظات.
فرانكشتاين في بغداد، تطرح، بعيدا عن إسقاطات الواقع، حلا لا منطقيا لازمة نعيش إحداثها يوميا، نجسد نحن أبطالها وشخوصها، فتعاظم الجروح وقسوتها تعبر بنا إلى ضفة أخرى من اللاواقعية في البحث عن حلول حقيقية لهذه الدرامة اللامتناهية.
الأزمات التي خرجت من اجلها التظاهرات الصاخبة خلال الأيام الفائتة، قد لا تنتج حلا فوريا للمعاناة، والتركيبة المعقدة التي خلقتها الأخطاء المتراكمة لطبقة سياسية أفسدت بجشعها الكعكة العراقية، فحولتها الى سفينة غارقة يحاول المتخمون القفز منها بأسرع وقت، أما البحث عن الحلول الحقيقة، فقد غدت حلقة مفرغة يدور في فلكها الجميع.
ان إفساد الأمة خلال عقود من الزمان، واستمرار هذا الإفساد إلى اليوم، سيجعل عملية الإصلاح صعبة لن تتم بتغيير الشخوص والقيادات، بل بمراجعة فكرية شاملة لأساليب كانت خاطئة في بناء المجتمع والدولة، ومحاولة تغيرها بقراءة واقعية لازمتنا الحالية وتحديد مكامن الفشل، ثم الشروع في مصالحة تامة مع الذات، تعقبها انطلاقة حقيقية جادة وصادقة.
اليوم، نحن لسنا بحاجة إلى “الشسمة” الذي يحمل عصا سحرية لإعادة الحق بقوته وجبروته، بل إلى مؤسسة نقية غير ملوثة بالفساد والطائفية والأنانية والتسلط، تقود المجتمع الى الطريق القويم وتطلق عجلة الإصلاح.
فادي كمال يوسف