فيما تستعر المظاهرات في بغداد، وتملأ الحشود ساحة التحرير، وتشتعل صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال والإعلام بالحوارات والنقاشات، في أزمة حادة تعيشها البلاد، وحيث لايزال الصد والرد تتقاذفه الجهات السياسية والشعبية، بشكل يمتد على اتساع الوطن، وينتقل هشيمه بين مختلف مستويات صناعة القرار من أعلى الهرم والى قاعدته .
وبينما يتخذ رئيس الوزراء وبكل حزم وجرأة غير معهودة قرارات مصيرية، بحق رموز سياسة وشخصيات لها ثقلها، فيستبعد مجموعة ويجردها امتيازات نهبت من خلالها مال الشعب وحقوقه، ويعزل آخري من مناصبها، ويحول ثالثة إلى المدعي العام للتحقيق في قضايا فساد وإفساد، وهو يستعد بكل شجاعة لحزمة أخرى من القرارات التي قد تكون اشد وطئة من سابقتها، يعيد فيها للدولة دولتها، ويسترجع مؤسساتها المنهوبة، والتي غدت بقرة حلوب لشلة من المنتفعين.
وفي خضم كل تلك الأزمة والأجواء المشحونة حتى النخاع، نتابع وباستغراب الموقف المثير للجدل لفخامة رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، وهذه الغرابة تكمن في تأخر التزامه بموقف المتفرج، فلا تصريح، ولا خطاب، ولا رأي بما يجري، ولا حتى موقف بالسلب أو الإيجاب من ما يتخذه رئيس الوزراء من قرارات تهز البلاد، ومن انتفاضة عارمة للشعب، مسرحها لا يبعد سوى كيلومترات معدودة من مقره العامر، فيا ترى لما هذا الصمت والانكفاء، وأين أنت من كل هذا؟
مجموعة من التساؤلات التي لا بد ان نطرحها في قراءتنا لموقف الرئيس، وعلامات استفهام كثيرة نثيرها حول صمته الغريب؟
فهل الرئيس يا ترى قد اخرج نفسه من هذه اللعبة؟ أم هل يخشى شيئا من إعلان موقف جدي وحازم؟ ولكن يا ترى مما يخشى، إذ كان هو الرجل الاول في البلاد؟، أم هو يتعرض لضغوطات وتهديدات من هنا أو هناك، جعلته أسيرا في منطقته الخضراء؟ أم هو غارق في توازنات وحسابات لمعادلات سياسية، لن ولم يفهمها شعب غاضب؟.
ربما كان الرئيس لا يزال “جديد عل الشغلة” فلا يعلم ما يمثل موقعه ومنصبه، وقد قيل له عند ترشيحه للرئاسة “لا تشيل هم تره منصبك فخري”، وأفهمه البعض انه عمله سينحصر في تمتعه بمرتبا فلكيا كثير الاصفار، وتؤدى لك التحية في كل أصقاع العالم التي ستزورها، ويعزف بحضورك النشيد الوطني، فيما تستعرض أمامك ثلة من حرس الشرف بأثواب الجيش الرسمية المنمقة، ويحميك فوج من الحراسات المدججين بأنواع الأسلحة، وتسير خلفك عشرات العربات ذات الدفع الرباعي، ومن جهة أخرى فلن تحرك ساكنا، وستبتعد عن غمار المعارك السياسية بين المتصارعين النهمين على كعكة الحكم …. أي نهاية خدمة رائعة هذه بعد سنوات طويلة من عناء العمل السياسي، وأي استجمام هذا.
نحن نفهم ان منصب رئيس الجمهورية في العراق، وفقا للدستور الذي سن بعد 2003، لم يغدو كما كان، أو بصورة أكثر دقة فهو لم يعد يجمع تلك الصلاحيات المطلقة التي كانت للرئيس في العهود الماضية، إلا ان الدستور لم يجرد الرئيس من جميع صلاحياته، إنما منحه مهاما وواجبات جعلت من المنصب أكثر دقة وحساسية، فهو المحافظ على الدستور والساهر على سلامة تطبيقه، وفي الوقت ذاته هو صوت الشعب، والمؤتمن على مصالحه وحقوقه.
كما يمثل بموقعه حلقة الوصل التي تجمع السلطات الثلاث، مانحا إياه اخطر الصلاحيات واهما، فله مثلا كشخص منفردا الحق بالطلب من البرلمان “سحب الثقة من رئيس الوزراء وإنهاء عمل الحكومة طبقا للفقرة ثامنا/1 /المادة 61 من الدستور”، كما بمقدوره “حل البرلمان وإنهاء الدورة الانتخابية قبل موعدها والدعوة إلى انتخابات جديدة طبقا للمادة 64 من الدستور”، وفي جعبته عددا من القوانين التي وضعت لتمنحه قدرا اكبر من الصلاحيات المهمة، إذن فالموقع ليس تشريفيا أو استعراضيا، كما هو ليس مكافأة نهاية الخدمة.
ان استمرار الرئيس بصمته السلبي، سيسيء لموقعه أولا، فيما سيفرغ ذاته كشخصية ديناميكية بإمكانها ان تلعب أدوارا مهمة في اللحظات الصعبة، تظهر في أحلك الظروف لتقود دفة السفينة إلى بر الأمان.
اليوم ننتظر من الرئيس دورا في خلق الحلول والتي تتناسب مع موقعه ومكانته، فتوجهه نحو الشارع الغاضب واحتضانه المتظاهرين بموقف حازم وواضح أصبح ضرورة مرحلية، والعمل بجدية لفتح قنوات الاتصال مع الشعب وتفهم مطالبهم، لبلورة أجواء حوار بين الشباب المنتفض وأركان الدولة، وتدوير زوايا الخلاف لإيجاد مخرج للازمة الراهنة، هو صلب واجباته.
كما عليه في الوقت ذاته ان يكون السند الأول وبكل شجاعة وجرأة لخطوات رئيس الوزراء في محاربة الفساد والفاسدين، والإعلان بصراحة عن موقفه الداعم لها، لا بل حمل لواء الإصلاح كصاحب مبادرة لا ضيفا عليها، ومجابهة كل التحديات السياسية الصعبة لإعادة بناء أركان الدولة، مهما كانت تلك التحديات خطرة وجسيمة.
ان انحيازكم فخامة الرئيس في هذه اللحظة التاريخية إلى جانب الشعب وبيان موقفكم الصريح مما يجري، لا يحتمل حسابات التوازنات السياسية في الربح والخسارة، فكلكم خاسرون ان وقفتم ضد شعبكم بجانب مصالح أنية ضيقة، وربحكم بلا شك بموقفكم المشرف مع انتفاضة هذا الشعب.
بقلم فادي كمال يوسف