ما ان وصلت القوى العسكرية الى خطوط التماس بينها حتى اشتعلت الحرب، ففصائل الحشد الشعبي وقوات البيشمركة الكردية التي يجمعها هدف مشترك وهو محاربة داعش، ما ان تلاقت في قضاء “طوزخورماتو” حتى اشتعلت المعارك الضارية، ليسقط عشرات الضحايا من مقاتلي الطرفين الأبرياء بين قتيل وجريح.
لا يمكن لأي عاقل ان يغفل دور الحشد الشعبي والبيشمركة في محاربة داعش، ولكن ثمن هذه الحرب ستدفعه الدولة ومن خلفها المواطن إذ لم يتم معالجة تبعاتها، فتجربة إقليم كردستان الماثلة أمامنا والتي أثبتت السنوات الأخيرة تعثرها في توحيد قوى البيشمركة تحت سقف سلطة الإقليم، فيما ولاء كل طرف من طرفي تلك القوات مايزال للحزبين الرئيسين، وهذا يؤكد فشل تحويلها من مليشيات تخوض حرب تحررية الى قوات نظامية، والمؤسف ان هذا انعكس سلبا على جميع مفاصل الدولة في الإقليم وكان سببا رئيسا في تعثر بناء النظام وفق أسس حديثة عصرية، كما أدى ومن ناحية أخرى الى إفشال جميع الخطوات لتوحيد إدارتي الإقليم.
أما في الجزء الآخر من الوطن فان القضية اكثر تعقيدا، فمع وجود طرفين واضحيين في الإقليم متمركزين ضمن حدود جغرافية معلومة الى حد بعيد بينما نجد الحال في مناطق المركز اكثر ضبابية، فالمكونات المنضوية ضمن الحشد الشعبي عددها بالعشرات ورغم ان اغلبها من صبغة واحدة وهو ما يجمعها، إلا أن ما يفرقها ويجعل احتمالات الاقتتال بينها اكثر بكثير، فما ان تضع الحرب مع داعش أوزارها، فان إطلاق الشرارة الأولى للحرب بين جميع الأطراف لن يكون بالأمر الصعب.
الواقع الحتمي يفرض وجود الحشد الشعبي بمكوناته الحالية، والسبب في ذلك هو فقدان الجيش لعقيدة واضحة تمنحه دوافع الاستمرار في حربه التي يخوضها دفاعا عن كينونة الوطن ووجوده، ان الحشد الشعبي ككتلة واحدة متماسكة متراصة تخضع لقيادة مركزية صارمة لن يصنف في خانة المليشيات، ولكن ما نتحدث عنه هو معالجة وجود الحشد بعد ان تضع الحرب أوزارها، والقلق من انفراط عقد تلك المكونات وتحولها الى مليشيات مدججة بالسلاح.
ملامح الخطر تبرز في تلك النقطة من التحول والتي ستدفع باتجاه أضعاف اكثر لسلطة الدولة وهيمنتها على أنحاء البلاد، فيما سيخلق “كانتونات” متناثرة تحت سيطرة أمراء الحرب، ولا نستبعد في حينه اندلاع الحرب بين هذه الكانتونات في صراعها لتحديد خريطتها على الأرض أولا، وطمعا في الموارد والثروات المادية والبشرية أحداها للأخرى، أضف الى ذلك صراع بعضها مع المليشيات الكردية والذي انكشف بشكل واضح في ما حصل بالطوز.
ان الدخول في هذا النفق، سيكون كارثيا على البلاد والتي ستستنزف بشريا واقتصاديا أضف الى ذلك تدمير ما تبقى من بنىً تحتية، أما في حالة عدم تقاتل تلك المليشيات وهذا مستبعد فأن مجرد خلقها كانتوناتها الجغرافية بقوة السلاح، سيمثل ضياعا لمفهوم الدولة وايقافا لعجلة نموها، وخسارة كبيرة للمواطن الذي يمني النفس بدولة القانون.
هنا تقع على الدولة مسؤولية كبيرة في التفكير جديا ووضع الخطط المدروسة والعملية بعيدا عن المزايدات الرخيصة، لتحويل الحشد الشعبي الى حالة ايجابية ضمن سلطتها وسيطرتها التامة، كما يجب ان يبدأ ذلك قبل نهاية الحرب، لان العمل لان يكون بالأمر اليسير وهو بحاجة الى الكثير من الجهد ومن خلفه تخطيط يعتمد دراسات دقيقة، وإلا فان الخطر في تخريب ما تبقى من العراق اقرب مما نتصوره.
ومن جهة أخرى فعلى القوى الحاضرة على الأرض تطويق ما حدث في “طوزخورماتو””وامتصاص الاحتقان الشعبي بين طرفي الصراع، وتفويت الفرصة لمن راهن على خلط الأوراق لجني مكاسب سياسية ينقذ بها ما تبقى له من مراكز قوى اثبت الواقع الحالي إنها بناءها جاء على دماء العراقيين، فالسقوط في هذا الفخ يشير الى بداية حرب المليشيات، والتي ان اندلعت فلن تنطفئ نيرانها إلا بتحطيم البلاد على رؤوس العبا