‎ناشطي الأقليات العراقية بين الواقع و الطموح

سركيس يوخنا

كما نعلم أن العراق يقوم على فسيفساء وعلى الكثير من الأعراق و الأديان و القوميات المختلفة، ‎ومقسم اليوم الى أغلبية وأقلية على مختلف الصعد بشكل عام وعلى الصعيد السياسي بشكل خاص، ‎وترمز كلمة الأقليات عالمياً الى المكونات الأقل عدداً في الدول التي تتنوع فيها أديان وقوميات السكان وتختلف طبيعة الاقليات من بلد الى اخر فبعض البلدان تقسم الى اغلبية و اقلية بناءً على الجنس و في بلدان اخرى حسب القومية او الدين و هكذا

‎وفي الدول المتطورة يتمتع الأقليات والسكان الأصليين بحقوق و امتيازات استثنائية حيث يتمنى المواطن العادي ان يُحسب على الأقليات لمدى إحترامهم و تميزهم ، ‎ومثال على ذلك ففي دولة فرنسا يجب أن يحتوي نصف البرلمان الفرنسي على الأقليات لتحقيق التوازن و ليتمكنوا من إيصال صوتهم وتحقيق مطالبهم بعيداً عن سياسة القوي يأكل الضعيف ، ‎اما في العراق و كما نعلم أن الأقليات تعاني من اضطهاد حاد على مر العقود، ‎والى يومنا هذا حيث تنوعت هذه الاضطهادات بمرور الزمن ‎فكانت في حقب معينة دينية وفي حقب أخرى قومية واجتماعية ابتداءً من المجازر والتغيير الديموغرافي و سلسلة الإغتيالات و التصفيات الجسدية لتكميم الافواه وصولاً الى عمليات الوصاية السياسية

‎حيث سلب الحقوق السياسية و الاقتصادية و مصادرة إرادة هذه المكونات الأصيلة و الصغيرة في تمثيلهم السياسي من قبل احزاب السلطة ليجملوا بهم صورتهم المخجلة

‎وسط هذه الاضطهادات و الانتهاكات نجد من الطبيعي ان يخرج ناشطين و مدافعين عن حقوق الاقليات من الاقليات و من غير الاقليات آملين بواقع افضل لهذه الشعوب الأصيلة فكما يقال ‎” من رحم المعاناة يولد الامل ” ‎و من المعروف و لمتداول أن من يعزم الدفاع عن قضية معينة يجب أن يدافع بصدق وبكل ما يملك من قوة و إرادة مهما كلفه الامر

‎و اليوم لدينا عدد ليس بقليل من الناشطين ومن الذين يسمون انفسهم بالناشطين ،‎وبرأيي الشخصي هؤلاء ينقسمون الى اقسام منهم ‎ناشطين حقيقيين و شبه حقيقيين ومزيفين، ‎فالناشط الحقيقي هو الذي يدافع عن قضيته بكل صراحة و أمانة و يصرخ بوجه الظلم و الظالمين بشجاعة و يطرح قضاياه و يتحدث في ادق التفاصيل مهما كانت حساسيتها و خطورتها و دائما يكون مستعد للتضحية مهما كان الثمن، ‎اما النوع الثاني فهم الذين يطرحون القضية و يتحلون بالرغبة للعمل لكن بدون ارادة حقيقة و غالبا ما يتوقفون عند حد معين من المواضيع التي لا يتجرأون على طرحها لخطورتها الدينية و السياسية ، و يشمل هذا النوع من الناشطين بعض الناشطين الذي يسعون وراء الشهرة و المال والتمتع في الفنادق الراقية و السفرات التنقلية من مدينة الى اخرى و من بلد الى اخر

‎اما النوع الثالث فهم ناشطين مزيفين ( نواشيط ) لانهم اصلا مدفوعين من قبل مؤسسات معينة او يكونوا تابعين و خاضعين لبعض الأحزاب و التي هي أساساً تضطهد الأقليات ‎لكنها تعمل على تلميع وجهها بهؤلاء الاشخاص الذين تزجهم في هذا الحقل فنراهم دائماً يطرحون مواضيع بعيدة كل البعد عن الاضطهاد السياسي و يحاولون الاساءة للنشاط المدني و الدوران في حلقة مغلقة تنفيذاً لسياسة أحزابهم و يتسلقون على اكتاف اقرانهم و يرقصون على جروح هذه الشعوب

‎فمن يريد العمل في هذا الحقل الإنساني المشرف يجب ان ينضم للفئة الأولى وينهل منها ويتحلى بمبادئها لتحقيق الاهداف المرجوة ، ‎وهناك بعض الامور التي يجب ان تطرح بعيداً عن المواضيع المطروحة و المملة والتي لا ناقة لنا فيها ولا جمل

‎من الأمور المهمة التي تخدم الاقليات في العراق

‎اولاً: تعديل الدستور العراقي النافذ لما يحمله من مواد تقيد حقوق الاقليات الدينية و القومية و الاستهانة ببعض المكونات المنسية سياسيا و عدم ذكرهم في دستورنا الموقر

‎ثانياً : تعديل قانون الانتخابات بما يخدم مصالح الاقليات السياسية و المطالبة بحصر التصويت على كوتا الأقليات بابناء المكون لمنع مصادرة ارادة الاقليات في اختيار ممثليهم الشرعيين

‎و المطالبة باستحداث كوتا لأبناء الديانات المحرومة من التمثيل البرلماني مثل الكاكائيين و البهائيين و المكونات الصغيرة الاخرى

‎ثالثاً : الضغط على الحكومات و القضاء لإنصاف الأقليات و منع التغيير الديموغرافي و التجاوزات و الإستحواذ على املاكهم و مصادرتها خاصة المهجرين منهم الذين تركوا البلد مجبرين بسبب القمع و الاضطهاد ، ‎كما يجب ان يتم تسجيل دور العبادة باسم المكون في الدولة لأن هناك أراضي ايزيدية و صابئية ترفض الحكومة تمليكها لهم

‎رابعاً : الضغط على الحكومة للاقرار و الاعتراف بالمذابح و المجازر التي تعرضوا لها الاقليات و تعويضهم و تزويد المهجرين على أثرها بالجنسية العراقية فالاشوريين الذي هُجروا و نجوا من مجزرة سميل التي قامت بها الحكومة العراقية سنة 1933 في شمال العراق الى يومنا هذا لا يملكون الجنسية العراقية

‎خامساً و الأهم : يجب على كل ناشط و مدافع عن حقوق الاقليات ان يطالب بتفعيل و تنفيذ القرار الصادر من مجلس الوزراء العراقي في 21/1/2014 و الرامي الى استحداث محافظة في سهل نينوى و هذا حق شرعي كفله الدستور لاتاحة الفرصة لابناء المنطقة لممارسة حقوقهم الدستورية و شراكتهم الوطنية و منح الاستقرار للمنطقة ومنع التغيير الديموغرافي و ابعادها عن النزاعات السياسية بين حكومة بغداد و اربيل

‎إن النقاط الخمس اعلاه هي الخطوط العريضة و النقاط الهامة التي يجب ان ينادي بها الناشط اضافةً الى المواضيع الثانوية و الانتهاكات التي تتعرض لها الاقليات من الاقصاء و التمييز و التكفير و … الخ

‎ختاما

رسالتي لكل شاب و شابة يرغب بالعمل في النشاط المدني ، يجب ان يتحلى بارادة حقيقة و يتحرر من القيود التي قيدونا بها الاحزاب و المؤسسات الدينية ( البعيدة كل البعد عن مباديء الاديان

فاليوم العراق بامس الحاجة لقيام جيل ينتمي للعراق حد النخاع و يكون ولائه للعراق و ترابه فقط لان بلدنا يمر بمرحلة صعبة و من واجبنا ان نقف جنباً الى جنب متلافين اختلافاتنا القومية و الدينية و انتمائاتنا السياسية للعبور بالبلد من هذه المحنة و بناء عراق جديد بعد القضاء على الفساد الذي ينحر البلد و يسفك دماء شبابنا فالفساد لا يفرق بين مسلم او مسيحي ، كردي او عربي ، شبكي او ايزيدي

لذا نحن كشباب يجب ان نتصدى لكل خطر يتعرض له العراق لان تحت تراب هذا الوطن جذورنا متشابكة و مصيرنا واحد فلا مناص من تكاتفنا و تآخينا ، قد يكون الماضي مؤلم فتعرضنا لانتهاكات مستمرة خلال السنوات السابقة نتج عنها هجرة كبيرة فقد خلالها العراق ازهى الوانه تضاعفت مع دخول تنظيم داعش الارهابي لكن التفكير بالماضي و التعميم سيجعل منّا سجناء كراهيات الى ما لا نهاية

لذا يجب العمل على نصرة كل مكون مظلوم و استرجاع الحقوق المسلوبة لاصحابها لنصل الى المرحلة التي ينعدم فيها شعور المظلومية عند مكونات العراق لنتمكن من تعزيز آفاق التعايش بين ابناء العراق و من ثم بناء دولة تؤمن بالهوية الوطنية و تعزيز العيش المشترك و تضمن لكل عراقي حقه ، ليبقى بلدنا رمزاً للسلام و التعايش